روايات شيقهرواية عشرون رسالة قبل الوقوع في الخطيئة

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل 33

_الفصـل الثالـث والثلاثـون_

“شهرٌ كامل مرّ بعد غيابِك ، أربعة أسابيع بدونِك ، ثلاثون يومًا لم أري فيهم إبتسامتك ولم يتهادي نغَمُ صوتِك الدافئ إلي قلبي ، لم أعرف للوصول إليكِ سبيلًا ، بترتي كلماتي بِحَلقي و وأدتي فرحتي عندما غِبتي!!

عاقبتِنـي بهجرانِك علي ذنبٍ لم أقترفهُ ؛ وهو أني خشيْتُ فراقِك !

خشيتُ أن تفارقيني فأعود صِفر اليدين كما جئت!

خشيتُ أن تفارقيني فتجرديني من روحي وحياتي.

خشيتُ إذا ما أدركتِ ماضىّ المظلم فتسلبيني حُبِك ويكون هذا موتي المحتم!

سامحينــي ؛ فلم يتبقي أملٌ في الحياةِ ســواكِ..

سامحينــي ؛ فأنا بعدِك لستُ بخير. ”

………

طوي رياض الورقه بعد أن خطّ لها تلك الرساله وضعها بذلك المظروف وأحكمَ غلقهِ ثم وضعهُ بجيب سترته..

مسح علي وجهه بضيق وهو ينظر بساعة يده كعادته في الآونه الأخيره دون سبب ثم أخرج علبة سجائره ونزع منها واحدةً وبدأ في تدخينها وقد شرد بها مجددًا..

لقد مرّ شهرٌ كامل علي تلك الليله المكلومه ومن بعدها إنقطعت عنه أخبارها تمامًا.

منذ أن غادرت المشفي يومها ولم يَرَها ! لقد حجبت عنهُ عينيها الجميلتين عمدًا ورفضت أي تواصل معاه عن قريبٍ كان أو عن بعيد! حتي أنها قطعت الوصل بينهما تمامًا وأغلقت هاتفها كي لا يستطيع محادثتها أو مهاتفتها نهائيًا! فقط كل ما يعرفه أنها علي قيد الحياة!!

طرقات علي باب غرفة المكتب أخبرتهُ بأن الطارق هو معتـز ليسمح له بالدخول بكلمةٍ مقتضبه: ادخـل.

دلف معتز وهو يتفحص وجهه الكئيب ثم جال ببصرهِ سريعًا في أرجاء الغرفة التي إمتلأت بدخان السجائر ليقول بضيق: وبعدين يا رياض؟ هتفضل تحرق في سجاير ليل ونهار كده !!

_عايـز إيه يا معتـز؟! تسائل رياض بثقل، لا يود الإسهاب في الحديث أو تبادل الحــوار معه أو مع غيره ؛ فلقد أصبح مقتضب الكلام، يشعر وكأنهُ قد بهتت روحه وفقد شغفه عن الحياةِ بأكملها.

أصبح يمل من المناقشات و يضيق صدره من مخاطبة الغير، حتي أنفاسه الصامته باتت تُزعجه!

أجابه معتز بعد إنكمشت ملامحهُ بضيقٍ بيّن وقال: عايز أشوفك كويس يا رياض! من وقت اللي حصل وإنت بقيت واحد تاني، لا مركز في شغل ولا بتستعد لإفتتاح المشاريع اللي طلعان عنينا فيها بقالنا سنه.. ده حتي المؤتمر إعتذرت عنه وأنا اللي حضرت!!

طالعه دون إهتمام وهو يستريح بظهره إلي المقعد وقال ببساطه: وإيه يعنـي لما تحضر المؤتمر؟! مش حضرتك مدير تنفيذي زيك زيي ولا إيه؟! ولا لازم رياض يحط بصمته في كل حاجه!!

دلّك معتز جانبي وجهه بيأس من لهجته الغير مباليه والتي يتمسك بها مؤخرّا ثم قال: أنا بجد مش مصدق البرود اللي حط عليك فجأه ده جه منين! ولا إنت متعمد يكون ده أسلوبك عشان محدش يتكلم معاك؟

أومأ الآخر بإيماءةٍ خفيفه دون أن يعقّب مما جعل معتز يتنهد بإحباط ونهض من فوق مفعده وهو ينظر إليه بثبات وقال: أنا رايح علي مكتبي.. إستعد للإجتماع بعد نص ساعه.. ولا ده كمان مش هتحضره!

_هحضـر.

لوي معتز جانب فمه بيأس من طريقته الجافه ثم غادر متجهًا إلي مكتبه.

نهض رياض بعد ان طالع ساعة يده مره أخري ثم غادر مكتبه وإتجه إلي مكتب رقيه، طرق الباب و لمّا أذنت له بالدخول فعل.

نهضت هي بتأهب وسألته بإهتمام: إنفضل يا مستر رياض؟

أخرج رياض ذلك المظروف من حيب سترته ووضعه أمامها علي سطح المكتب وهو يقول: بعد إذنك يا رقيه تروحي لآصال تطمني عليها و تديلها الرساله دي..

أومأت بموافقه وقالت: حاضر مفيش مشكله.. أنا أصلا كنت هزورها النهارده.

أومأ موافقًا ثم غادر المكتب بهدوء ومن بعدها غادر الشركه بالكامل.

………

كانت آصــال تجلس فوق سريـرها تتمدد بأريحيه ممسكةٍ بيدها كتابًا تقرأ فيه وهي شارده..

إستمعت حينها إلي طرقات علي باب الغرفه فإعتدلت بجلستها وأذنت لوالدها بالدخول، دلف هو مبتسمًا يقول: بتقري؟! من زمان مشوفتكيش ماسكه كتاب!

إبتسمت بهدوء وهي تقلّب الكتاب بين يديها ومن ثم نظرت إلي والدها وقالت: لقيت نفسي زهقانه، قُلت أتسلي.

_عفارم عليكي. ألقي إليها مشجعًا ومن ثم تسائل: طب والجميل يسيب نفسه لحد ما يزهق ليه؟! ما تيجي نخرج كده نتمشي أنا وإنتي وأعزمك علي العشا زي البرنسيسه وبعدها نقعد علي البحر وأطلب لك آيس كريم!! خروجه ملوكي يا بت يا لولو.

إبتسمت لوالدها وهي تواري عيناها عنه أرضًا وقالت: مش عايزة أخرج يا بابا.

_أومال عايزه إيه يا حبيبة بابا وأنا أعمله؟ تسائل مسترضيًا إياها علّها تخبرهُ بما يرضيها وكان الجواب المقتضب منها أن قالت: مش عايزة حاجة.

تحشرج صوتعا و برز مختنقًا وهي تستطرد: مبقيتش عايزه أي حاجه.

_وبعديـن يا آصـال! هتفضلي كده لحد إمتا؟

رفعَت كتفيها وهي تقول: مش عارفه.. ثم تدلّي كتفيها مرةً أخري وأخبرتهُ بإحباط: مش فاهمه أنا حاسه بإيه.. لأول مره مبقاش فاهمه إحساسي، مش عارفه أحدد أنا حاسه بإيه دلوقتي..

وسقطت عَبرةً من عينيها وهي تقول: كل اللي فهماه إني تعبانه!

إقترب منها والدها وإحتضنها فبكت بشده بين ذراعيه ليربت فوق ظهرها قائلًا بحنو: متعمليش في نفسك كده يا آصال.. إنتي طول عمرك قويه وبتتحملي..

_ما عدا المره دي يا بابا.. أنا إتكسرت.. رياض كسرني!

=معذور يا بنتي..

أجفلت بين ذراعيه وإبتعدت عنه وهي تطالعه بعينان جاحظتان تحملق بهما فيه بشده من فرط دهشتها وقالت مردده كلماته بإستنكار: معـذور!! يعنـي إيه معذور؟! معذور إنه داري عني حقيقته البشعه!!!

هنا سَحَب والدها شهيقًا طويلًا ثم زفرهُ ببطء كي يساعد في تهدئة إنفعالاته و يسمح له بالتحدث بتروّي فقال: بصي يا آصـال.. أنا من وقت اللي حصل وأنا بتجنب أتكلم معاكي في اللي حصل و بتجاهل الموضوع برمّته عشان عارف إنك مش مُهيأه لأي نقاش ولا لأي كلام في الموضوع، لكن بما إنك فتحتي الموضوع فلازم نتكلم.. رياض بعد اللي حصل إتصل بيا كتيـــــر جدااا.. لكن أنا نفسي كنت في قمة غضبي منه وحزني عليكي فـ مكنتش عارف أفكر في اللي حصل ولا أفهم ولا أستوعب أساسًا كل اللي حصل ده حصل ليه، عشان كده مردتش عليه لإني لو كنت كلمته وأنا في الحاله دي مكناش هنوصل لأي حل ولا هنستفيد حاجه . بل بالعكس كان ممكن أغلط فيه.

ثم تنهد مستعدًا للمقبل وأردف: لكن لما مر أسبوع.. و إتنيـن.. و هديت وبدأت أفكر صح.. لقيت إن أول حاجه لازم أعملها إني أسمع له..

ضيّقت عيناها بترقب لما سيخبرها بهِ والدها وقاطعته قائله بتحفز: كلمته؟!!!!

_قابلته! أخبرها بهدوء وتريث ليقابل جنونها العاصف وهي تتسائل بغير تصديق وقد برزت عيناها: قابلته؟؟ مش معقول..

_كان لازم أقابله، كان هيبقا منتهي الظلم والإجحاف مني إني مسمعش منه!

=وهو مكانش منتهي الظلم منه إنه يخدعني؟! يكدب عليا ويفهمني إنها ماتت مش هو اللي قتـ.ـلها!! تسائلت وقد عادت ذكري ذلك اليوم تهاجمها من حديد ليجيبها هو بالرد الذي فاجئها إذ قال..

_مش كل قاتـ ل مجرم يا آصال!

جنّ جنونها وهي تردد كلماته بغير تصديق: مش كل قاتـ ل مجرم!!! أنا مش مصدقه وداني.. هو حضرتك اللي بتقول كده فعلااااا!!!

تنهد بهدوء نقيض ذلك التوتر المشحون بداخله وقال: الحكايه مش بالظبط زي ما قال إسماعيل عوده.. وأنا كنت واثق من ده.. عشان كده وافقت إني أقابله ..

_وبعدها إيه اللي حصل؟! تسائلت بوجهٍ جامد قد تجرد من الملامح والحياه فأجابها حيث قال: هحكيلـك.

…..

” إسترجاع زمني قصيـر ”

.….

لا يعلم لذلك الإتصال عددًا، فمنذ تلك الليله وهو يكرر الإتصال بوالدها يوميًا حتي يتحدث إليه و يشرح له الجانب الخفي مما حدث وفي كل مره يتجاهل إتصالاته..

غادر مكتبه ضائق الصدر وإستقلّ سيارته ثم إتجه بها إلي ذلك المكان الذي تقابلا بهِ لأول مره..

توقف بسيارته أمام البحر وراح يتطلع نحوه بوجوم وهو يتذكر ما مضي..

مرت أمام عينيه اللحظات الأولي التي جمعتهما عندما حمَل الهواء رسالتها إليه وإنحني ثم إلتقطها وجالت عيناه بين السطور سريعًا، عندما سقطت بين ذراعيه وحملها إلي المشفي و نقل دمهُ إليها..

عنذ ذلك الخاطر إبتسم، لقد إمتزجت دماؤهما يومًا بداخلها! إذا لماذا كل ذلك الهجر؟

فجأه قفزت إلي مخيلته تلك اللحظات اليتيمه التي عاشوها بفرحه ليلة زفافهما.. عندما إحتضنها وتراقصا سويًا.. حينها كان يمنّي نفسه بقرب اللقاء ولم يتخيل ولو للحظه أن يصيروا إلي ما صاروا إليه.

أسند جبهته إلي طارة القياده من أمامه وأغمض عينيه بوهن لينتبه فجأه علي رنين هاتفه فـ إستله من جيبه وأجاب دون أن ينظر به..

_ألو؟

=السلام عليكم .. أيوة يا ريـاض.

إعتدل بظهره للخلف علي الفور وأجاب بصوتٍ منتبه: وعليكم السلام ورحمه الله.. إزي حالك يا عمي؟

=الحمد لله علي كل حال.. كنت عايز أشوفك.. لازم نتقابل ونتكلم.

_تحت أمرك في أي وقت، تحب آجي لحضرتك؟

= أنا هجيلك الكافيه اللي إتقابلنا فيه مره قبل كده.. نص ساعه وأكون هناك.

_تمام وأنا في إنتظارك.. مع السلامه.

دبَّ الأمل بداخله من جديد، إستدار بسيارته متجهًا حيثما إتفقا أن يتلاقا وهو يرتب بداخله ما سيخبره به.

في غضون نصف ساعة قد توقف رياض بسيارته أمام الكـافيه ثم دلف باحثًا عنه بعيناه ليعلم أنه ام يأتِ بعد.

جلس حول طاولةً نائيه إلي حدٍ ما وأشعل سيجارةٍ بدأ بتدخينها ريثما يصل مهدي.

رأي بعينيه وقد توقفت سيارة الأجره أمام الباب ومن ثم ترجّل منها مهدي ودلف إلي الداخل لينهض هو علي الفور بعد أن أطفأ سيجارته بالمنفضه مستعدًا لإستقباله.

تقدم منهُ مهدي برصانةٍ ثم مدّ يمناه يصافحه وهو يقول: مساء الخير يبني.

إستبشر الآخر خيرًا كونهُ لا يزال يدعوه بـ ” بُنيّ ” فقال وهو يصافحه بحراره: مساء الخير يا عمي.. إتفضل.

جلسا مقابل بعضهما البعض وكلًا منهما يتأهب لسماع الآخر ليبادر مهدي بالحديث قائلًا: بص يا رياض، إحنا بينا عيش وملح وعِشره طيبه.. عشان كده واجب عليا إني أسمعلك.. الفتره اللي فاتت أنا مكنتش قادر أتكلم وعارف إنك كمان مكنتش قادر تتكلم لكن كنت بتحاول عشان آصال، فـ حسيت إننا نأجل كلامنا للوقت المناسب وأظن إن الوقت ده جه.. لازم أسمع منك التفاصيل اللي خفاها حماك.. أكيد إنت عندك كلام كتير عايز تقوله.. وأنا عايز أسمعك.

تنهد رياض بإرتياح و هدوء نسبي ثم تسائل بحزن: قبل ما أحكيلك أي حاجه عايز أطمن علي آصال يا عمي.. أنا مش عارف أوصل لها نهائي.. حتي مش عايزة تقابل رقيه!!!

علي عكسهِ تنهد الآخر بتعب مردفًا: آصـال مش كويسه أبدا.. أنا بموت في اليوم مليوم مره لما بشوفها بتبكي في أوضتها وحابسه نفسها حتي مش عايزة تاكل ولا تتكلم معايا.

أصابهُ حديث والدها بغصةٍ في قلبه عندما تخيل حالتها و كمّ الأذي الذي تسبب به لها ليقول: صدقني يا عمي أنا حالي ميتخيرش عن حالها كتير.. الفرق إني مُجبر أتعامل وأتعايش علي الأقل عشان زهره متحسش إني متغير معاها.. لكن كل حاجه في حياتي واقفه.. حياتي مبقاش ليها طعم من وقت ما آصال بعدت عني.

ثم تابع بنبره متوسله: أنا برجوك تحاول تقنعها إنها تسمعني.. تديني ولو فرصه واحده وأنا هشرحلها كل اللي حصل..

_طيب مش المفروض تشرحلي أنا الأول! أهو علي الأقل أعرف أتكلم معاها وأقنعها..

أومأ رياض مؤيدًا لحديثه ثم قال: حضرتك عايز تعرف إيه؟!

_عايز أعرف الحقيقه!! الكلام اللي حماك قاله ده صحيح؟ إنت فعلا قتـ ـلت مراتك!

أومأ رياض وقد برزت أوداجهُ وإنتفخت إثر تدفق الدم بشده إلي رأسه عندما إضطر آسفًا أن يسترجع تلك اللحظات ويسردها عليه فقال: أيــوه قتــ ـلتها!

شحب وجه مهدي وهو يطالعه ويراقب عن كثب علائم وجهه المكفهره فإلتزم الصمت ريثما ينتهي الآخر من الحديث ليستطرد قائلاً: كان المفروض أتصرف إزاي لما أشوف معاها واحد.. في..

تعثرت الكلمات بحلقه وإرتجف وهو يستطرد بخجل: في سريري!!

أغمض مهدي عيناه بأسف و زمّ شفتاه بشفقه وقد ألجمت المفاجأه لسانه، علي الرغـم من أنه توقـع ذلك الأمر سابقًا ولكن كونهُ بات حقيقةً مُقرّ بها كانت تلك الفاجعـه الأكبر.

أخفض رياض رأسه قليلًا للأمام وقد إنقبضت ملامحه وهو يري ذلك المشهد يتجسد بخيالهِ مجددًا وكأنه يحدث الآن وقال بعد أن إبتلع لعابهُ بمراره: معرفتش أتحكم في أعصابي.. كنت مغيّب! مكنتش شايف قدامي غير الغدر و الخيـ ـانه و شَرَفي اللي إتوسـ ـخ بإيديهم!! قتـ ـلتهم الإتنين بنفس السـ ـلاح وبعدها بلغت بنفسي! إتسجـ ـنت سنتين شوفت فيهم كل أنواع الذل بتوصيه من إسماعيل عوده شخصيًا..لكن اللي شُفته كله ميساويش بُعد بنتي عني .. طبعًا لو كان يعرف يعمل أكتر من كده كان عمَل.. لكن لسوء حظه إن الدلائل كلها أثبتت خيانـ ـتهم والقضيه خدت مسارها الصحيح.

وأدَ بإصبعهِ تلك العَبره العالقةِ بأهدابه مردفًا: كل اللي شُفته في السنتين دول ميجيش حاجه جمب إحساسي دلوقتي!! أنا عندي إستعداد أستحمل أكتر من اللي إستحملته في السنتين بس آصال تكون معايا.

تنهد مهدي بضيق بعد أن أضبح حاملًا للحقيقةِ كلها وهذا ما سيثقل مسئوليته أكثر وتسائل: زهره تعرف حاجه عن الموضوع ده؟

أومأ رياض بالسلب وقال: لأ طبعا.. و علاقتها بجدها كويسه جداا.

_ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هكذا غمغم بقلةِ حيله و شرد كثيرًا يفكر ليقاطعه رياض متوسلًا: أرجوك يا عمي.. آصال لازم تعرف مني الحقيقه..

= و ليه مكانش من الأول يبني؟! ليه تخدعنا و تداري عننا حاجه زي كده!! أينعم حياتك اللي قبل كده متخصناش لكن دي مش مجرد حياه وفاتت.. اللي فات مبني عليه اللي جاي!! كان لازم تشارك خطيبتك وتشاركني في موضوع مهم زي ده!

_خُفت!! صدقني خُفت.. أنا ما صدقت آصال حبِتني و ما صدقت لقيت حد زيها.. خُفت لو عرفتوا حاجه زي دي ترفضوني!

تمتم مهدي بإستغراب: ياىني إنت راجل عاقل و بتفهم منتاش عيل طايش.. يعني لو وزنت الأمور بميزان العقل كنت هتعرف إني إستحاله أحاسبك علي حاجه خارجه عن إرادتك.. كنت هرفضك عشان دافعت عن شرفك؟!! إستحاله.

_حتي لو حضرتك قبلت.. آصال مستحيل كانت هتتقبلني وأنا في حياتي تجربه زي دي!

=بس مكنتش هتبقا بتخدعها.. أو تخدعناا إحنا الإتنين بمعني أدق.. طيب كنت صارحتني أنا علي الأقل لو خايف تصارحها وأنا كنت هدلك علي التصرف الصحيح.. كنت إحترم الراجل اللي فتحلك بيته وآمنك علي بنته الوحيده وإعتبرك زي إبنه.

أغمض رياض عينيه يعتصرهما بندم و مدّ يديه مسكًا بيد مهدي برجاء وقال: أنا عارف إني غلطت غلطه لا تغتفر.. لكن عارف كمان إنك هتساعدني.. أرجــوك، إعتبرني إبنك لمره أخيره..

_لا حول ولا قوة الا بالله. .. حوقَل بحزن وقلة حيله ثم قال: أنا مش هعرف أتكلم مع آصال دلوقتي يا رياض.. أنا خايف لو كلمتها في الموضوع ده يحصللها حاجه من شدة القهر اللي هي حاسه بيه.. بنتي وأنا حاسس بيها و باللي في قلبها.. وكمان عارفها، لما تحب تتكلم في الموضوع هتبدأ هي.

و تابع وهو ينظر إليه بتركيز قائلًا: انا مش هعرفها إننا إتقابلنا، لكن لو إتكلمت معايا انا وقتها هحاول أبسط لها الأمور و أمهدها إن يكون بينكوا حوار في أقرب وقت..

تهلل وجه رياض قليلًا بفرحه بينما إستطرد مهدي قائلاً: هحـاول، موعدكش إني هنجح من أول مره.. لكن إن شاء الله هقنعها إنكوا تتقابلوا وتسمع منك .. والباقي عليك إنت.

_أنا متشكر جدااا.. بشكرك من كل قلبي بجد..

=مفيش داعي للكلام ده.. إنت حبيت بنتي بجد وأنا عارف ده.. وهي كمان حبِتك من كل قلبها.. و يعز عليا إني أشوفها بتموت قدام عنيا وأنا عارف دواها فين بس هي مش قابله.

فهم رياض مقصده و مغزي حديثه وربما منحهُ ذلك أملًا مستترًا في لقائهما عما قريب.

نهض مهدي قائمًا ثم قال: أنا لازم أرجع البيت لأن آصال لوحدها، و إن شاء الله هتكلم معاها أول ما الفرصه تسمح.

أومأ رياض موافقًا ونهض ليصافحه ليغادر بينما جلس رياض بمقعده مجدد ًا ريثما يرتشف فنجالًا آهر من القهوه وبصحبته عددًا لا بأس به من السجائر ثم ينصرف.

……….

” عوده للزمن الحالــي ”

……….

_ بس.. ده كل اللي حصل.. واللي أنا كنت متوقع جزء كبير منه.

ألقي والدها إليها بتلك الكلمات بعد أن إنتهي من سرد كل ما حدث خلال هذا اللقاء فنظرت إليه بأعين فارغه من التعبيرات وقالت: وإيه اللي يضمن إنه صادق وبيقول الحقيقه.. إيه اللي يثبت إن كلام اللي إسمه إسماعيل كدب وكلامه هو اللي حصل فعلا.

زمّ والدها شفتاه بحسره مردفًا بقسوه: ما هو لما تسأليني سؤال زي ده يبقا يا خسارة عمري اللي راح.. شعري الأبيض ده يقوللك إيه اللي يثبت.. قلبي يقوللك إيه اللي يثبت..

و أشار إلى موضع قلبها مردفًا: ده يقوللك إيه اللي يثبت.

وأكمل ما بدأه فقال: مش كل حاجه لازمها دليل ملموس بين إيديكي عشان تقتنعي بيها.. أومال فين إحساسك؟! فين معرفتك بالإنسان اللي قدامك؟! فين حبك ليه؟!

_ للأسف يا بابا الكلام ده مش واقعي..

= آصال أنا هسألك سؤال وفكري قبل ما تجاوبيني..

ندرت إليه لإنتباه و هزت رأسها بإستفهام فقال: لو كنتوا إتجوزتوا إنتي ورياض.. و جتلك واحده في يوم من الأيام متعرفبهاش قالتلك إن جوزك خـ ـانك معاها ؛ لكن مفيش أي دلبل يثبت إنه فعلا عمل كده ومفيش بردو دليل يثبت إنه معملش.. وقتها هيكون ردك عليها إيه أو هتتصرفي إزاي؟

_الموضوع مختلف يا بـ….

قاطعها بصرامه قائلًا: لو سمحتي جاوبيني.. هتتصرفي إزاي وإنتي مفيش في إيديكي دليل مادي يدينه أو يبرأه؟!

نظرت أمامها طويلًا تفكر ثم أجابت وهي شارده فقالت: هفكر، هحكّم عقلي وقلبي.. هشوف إحساسي هيقوللي هو فعلا خـ ـاين ولا لأ.

نظر إليها ببساطه وقد وصل إلي مبتغاه وإبتسم ففهمت ما يرنو إليه لتقول بعناد: لكن دلوقتي مش نفس الشئ..

قاطعها حيث قال وهو يضع قبضته فوق يدها: إقعدي معاه وإسمعي منه، إدي له فرصه يفهمك اللي حصل.. يفهمك هو ليه داري عني وعنك اللي حصل ومقالش الحقيقه.. و وقتها حكّمي عقلك وقلبك زي ما بتقولي.. و شوفي إحساسك هيقوللك هو فعلا صادق ولا بيكدب.

_بابا إنت بتدافع عنه!!! تسائلت بإستنكار ليقول: مش عنه.. عن حبكم.. حبكم يستاهل فرصه تانيه.. يستاهل مليون فرصه.. لو عليه هو فـ أنا مش قادر أنسي اللي حصل لنا بسببه.. مش قادر أنسي كسرتي وكسرتك قدام الناس لأنه مكانش صريح معانا من البدايه.. بس في نفس الوقت كل ما بشوفك كده وإنتي مقطعه روحك من العياط ولا بتاكلي ولا بتخرجي وقافله علي نفسك و لما شفته النهارده وهو حاله ميفرقش عنك كتير راجعت نفسي.. لقيت إن لازم يكون في حل.. لازم أبدأ.. لازم أساعدكوا..

نظرت إليه بتعجب وقالت: تساعدنا؟؟!! أنا إستحاله هرجع له.. ده لو علي موتي.

نظر إليها مطولًا وقال: طيب حتي إديله فرصه و إسمعي منه وبعدها قرري.

أشاحت بوجهها جانبًا وقالت: لو سمحت يا بابا متضغطش عليا.. أنا لا عايزه أقابله ولا أتكلم معاه نهائي.. ولازم يطلقني في أقرب وقت.

_لا حول ولا قوة إلا بالله، لله الأمر من قبل ومن بعد.

غادر مهدي غرفتها بينما إنزوت هي بفراشها مجددًا وعادت لنوبات بكاؤها من جديد.

…….

في طريقه إلي غرفته إستمع إلي رنين جرس الباب فذهب لفتحهِ ليتفاجأ بمجئ رقيه التي تقف خلف الباب مبتسمه بتأهب فقال بترحيب: أهلااا وسهلااا.. إتفضلي يا رقيه يا بنتي.. إدخلي.

دلفت رقيه بعد أن صافحتهُ وهي تقول: إزي حضرتك يا عمي؟!

_نحمد الله يا بنتي.. إنتي عامله ايه ؟

=الحمد لله كويسه..

وحانت منها إلتفاته لباب غرفة آصال المغلق ثم سألته: آصال موجوده ؟

تنهد بضيق قائلًا: موجوده هتروح فين! إتفضلي إدخلي لها.

تقدمت رقيه من الباب بترقب، تخشي مقابلة آصال بعدما رفضت مقابلتها في الأسابيع الماضيه ومع ذلك أتت لرؤيتها مجددًا، طرقت الباب بهدوء لينفرج بعدها وظهرت آصـال من خلفه..

تفاجئت برؤيتها فظلت تنظر إليها بتيه لثوانٍ ثم باغتتها عندما إحتضنتها بقوه.

دمعت عينا رقيه وشددت من إحتضان آصال بينما تعالي بكاء الأخيره وهي تعانقها بقوه ثم إبتعدت عنها قليلًا وهي تفسح لها مجالًا للدخول وقالت: إدخلي.

دلفت رقيه وجلست إلي جوارها تمامًا ثم سألتها وهي تجوب في تفاصيلها بحزن وقالت: عامله إيه يا آصال؟! وحشتيني أوي.. كنت كل ما آجي أشوفك عمي يقوللي إنك قافله علي نفسك ومش عايزه تتكلمي مع حد.

رلتت آصال فوق كفيها بأسف وقالت: متزعليش مني يا رقيه، أنا فعليًا كنت حاسه اني لو إتكلمت هموت.. مكنتش قادره ولا فيا طاقه للكلام.. سامحيني.

إبتسمت رقيه بلطف وقالت: إنتي لتقولي إيه بس يا آصال.. أنا فاهمه و مقدره اللي كنتي فيه.. صدقيني يا آصال لو كنت أعرف إن ده هيحصل وفي يوم فرحك أنا كنت حكيتلك من زمان.. حتي لو كنت هخسر معتز بس كان هيبقا أهون من اللي حصل.

ألقت رقيه كلماتها تباعًا، غافلةٍ عن تلك التي تبدلت ألوان وجهها وهي تستمع إلي ما تقوله لها بكل بساطه لينزوي ما بين حاجبيها بغرابه شديدة وسألتها بصدمه وغير تصديق وهي تقول: إنتي بتقولي إيه؟!! إنتي كنتي عارفه؟!! كنتي عارفه و خبيتي علياا يا رقيه؟!!!

هنا أدركت الأخري فداحة ما تفوهت به ليجمد وجهها وإبتلعت لعابها بتوجس وهي تقول: آصال أنا….

_إنتي إيه؟!! إنتي كنتي صاحبتي وأختي يا رقيه!! أنا كنت بعتبرك أختي!! لو كنتي بتعتبريني أختك بجد كنتي صارحتيني بالحقيقه.. لو كنت أنا أختك فعلا يا رقيه مكنتش أهون عليكي تسيبيني عاميه كداا..

حاولت إصلاح ما أفسدته لتقول بتلعثم: آصال إسمعيني.. أقسم بالله أنا يوم ما عرفت كنت هجري عليكي وأقوللك.. لكن معتز هو اللي أجبرني إني مقولكيش.. هو قاللي لو حكيت حاجه من اللي سمعتها هيكون كل واحد مننا في طريق!

_هه. .. ضحكت بإقتضاب ساخر ثم قالت بتهكم: وطبعا إختارتي إنك تخدعيني زيك زيهم عن إنك تخسري معتز!!

أمسكت رقيه كلتا يداها بإستجداء وهي تقول: مش بالظبط يا آصال.. معتز كان خايف إنك لو عرفتي تسيبي رياض..

هنا إنفجرت بغيظ وهي تقول: رياض رياض رياض.. كلكوا خايفين علي رياض و بتبرروا ليه اللي عمله، ومحدش خاف عليا ولا فكر هيكون إحساسي إيه لما أعرف ليه؟! متوقعتوش إن ممكن أعرف في يوم مهم زي يوم فرحي ليه؟! مفكرتوش إن ممكن فرحتي تتكسر في أهم يوم في حياتي ليه؟! للدرجادي مليش قيمه عندكوا وكل اللي فارق لكوا هو ريـاض وبس؟!!

_ متقوليش كداا يا آصال.. والله العظيم أنا بحبك وإنتي….

قاطعتها آصال بحده وغضب وقالت بنفور: كفايه يا رقيه، انا سمعت الكلام ده قبل كده كتير و إتضح في النهاية إنه مجرد كلام لا بيودي ولا بيجيب.. لو سمحتي أنا مش عايزة ولا قادره أتكلم كلمة زيادة في الموضوع ده.

أومأت رقيه بتفهم ثم قبّلتها علي كلًا من الخدين ونهضت وهي تقول: براحتك يا آصال.. وأنا مش هضغط عليكي.. هسيبك كام يوم وهجيلك تاني تكوني بقيتي أحسن.

أومأت آصال بموافقه ولم تنبس بحرف فاخرجت رقيه مظروفًا من حقيبة يدها ووضعتهُ أمامها علي الفراش وهي تقول: مستر رياض بعتلك معايا الرساله دي.

ثارت ثائرتها من جديد وأمسكت بالورقه و شقتها إلي نصفين وألقتها أرضًا بإهمال وقالت: قوليله قطّعتها.. مش عايزه أعرف عنه حاجه ولا يكونلي بيه صله من قريب او من بعيد.. ولو سمحتي يا رقيه.. لو سمحتي.. لو هتيجي تطمني عليا عشان إحنا صحاب أهلا بيكي في أي وقت..

و أدارت وجهها للجهة الأخرى وتابعت: لكن لو هتيجي عشان توصلي لي رسايل منه يبقا متجيش.

أومأت رقيه بهدوء و أخفت حرجها وهي تنحني نحوها حيث إحتضنتها بحب وهي تقول: زي ما قولتلك.. هسيبك يومين تهدي وهجيلك تاني.. مع السلامه.

غادرت رقيه الغرفه لتتلاقي بوالد آصال الذي كان جالسًا بمقعده ينتظر خروجها ثم نهض فور أن رآها و دنا منها ملتسمًا بإعتذار وإمتنان في آنٍ واحد قم قال: معلش يا بنتي.. حقك عليا انا.. إنتي عارفه اللي بتمر بيه مش سهل.

ربتت رقيه علي ذراعه بتقدير وأردفت بإبتسامه ودوده وقالت: متقةلش كدا يا عمي .. آصال أكتر من أخت.. وأنا عارفه ومقدره كويس اللي هي فيه.

_ربنا يبارك لكوا في بعض يا بنتي ويصلح حالك.. طيب إقعدي لما نتعشا سواا حتي..

= معلش يا عمو مره تانيه عشان معرفتش ماما إني جايه وهتقلق عليا لو إتأخرت.

_ماشي يا بنتي مع السلامه.. و بلغي سلامنا للست الوالده.

=الله يسلم حضرتك.. عن إذنك.

إنصرفت رقيه فأغلق الباب خلفها ثم توقف أمام غرفة آصال و همّ بطرقها ولكنه تراجع عندما إستمع إلي صوت نهنهاتها المرتفع وتوجه إلى غرفته وهو يرجو الله أن يمسح على فؤادها و يصلح لها شأنها كله.

…………

كانت قد إنحنت وإلتقطت ذلك المظروف الذي شقّته لنصفين منذ قليل و أخرجت الرساله التي إنقسمت إلي جزئين بدورها ثم ألصقت الجزئين ببعضهما البعض وبدأت تقرأ ما كتبهُ لها وقد فاض الدمع من عيناها..

كلماته لم تكُن سوي زخات من الملح تتساقط فوق جُرحها فـ تُدميه أكثر و تلهبه ببشاعه لا توصف.

كررت قراءة كلماته مراتٍ عديده وفي كل مره تنهار بالبكاء اكثر من ذي قبل.

لقد إشتاقته حقًا وتلك الحقيقه الوحيده التي لن تستطع إنكارها، رفَعَت الورقه إلي أنفها وإشتمت رائحته العالقه بها ثم إنفجرت بالبكاء من جديد.

رائحته تلك ذكّرتها بما جاهدت لنسيانه، جعلتها تتذكر إبتسامته الحانيه، عناقهُ الدافئ الذي تتوق إلي الآن! قُربَهُ منها وحين غمرها بحب في رقصتهما المغموره بالحب وقد كانا علي شفا السعادةِ الأبديه.

تلك التي حرمها إياها و سلبَها فرحتها بسبب خداعه!

عندما دار ذلك الخاطر بعقلها علي الفور قطعت تلكا الورقتين إلي قطعٍ أصغر ثأرًا لكبريائها وألقت بها إلي الأرض وطفقت تبكي من جديد ثم أخرجت دفترها وبدأت تكتب به..

……

” أنا بعدك بخير..
أميّز بين الليل والنهار ؛ فليست حياتي كلها ليل بدونك.
الأمر يسير وليس كما كُنت أظن!
النهار ليس حين يشرق وجهك وإن أشرق منتصف الليل ؛
والليل لم يكُن حين ودعتُكَ حتي وإن كنّا وقت الظهيره.
عادت أوقاتي إلي رشدها ؛
الدقيقه بكَ كالدقيقة بدونك.
الدقيقه معك ستون ثانيه والدقيقه من بعدك ليست ستون وجعًا.
الساعات لا تحتاجك كي تمضي سريعًا!!

أنا بعدك بخير..
فصولي أربعه.
خريفي أسقط كل أوراقي فلا تحسب أن ما عرّاني هو غيابك!!
وشتائي لا يحتاجك كي يصير صيفًا مره أخري ؛
وربيعي ليس ضحكتك!
وفي الصيف أتدبر أمر سنابلي وحدي دون الحاجة لتحصدني نظراتك.

أنا بعدك بخير..
لم يكلفني الأمر الكثير.. لم أخسر.. سوي قلبي!

………….

في صباح اليوم التالي..

كانت رقيه قد وصلت لمقر الشركه لتوّها و توجهت علي الفور إلي مكتب معتز..

طرقت الباب ثم دلفت لتجده منكبًّا علي عمله يتابعه بإهتمام وتركيز بينما إشرأب هو برأسه قليلًا وقال: تعالي يا روحي، صباح الخير.

دنت منهُ بإبتسامه لطيفه وقالت: صباح النور يا معتز.

_صباح الفل يا قلب معتز، متأخره…

توقف ونظر في ساعة يده وقال: أربع دقايق و ثانيتين.

ضحكت بهدوء ليضحك هو بدورهِ ثم قال: فطرتي ولا تفطري معايا؟

_مليش نِفس. أجابته وهي تمسح على وجهها مهمومةً ليضيق ما بين حاجبيه قائلاً: ليه كده.. حصل إيه؟

نظرت إليه ثم أخذت شهيقًا طويلًا ملأت بهِ صدرها و زفرته بتمهل ثم قالت: خالي..

_ماله؟!

=مسافر اليونان.

أومأ ببساطه قائلا: يوصل بالسلامه إن شاء الله..

= الله يسلمك.

_بردو مش فاهم فين المشكله؟! إنتي مضايقه عشان خالك مسافر يعني ولا إيه؟!

صرّت أسنانها بغيظ وقالت: أكيد لأ.

_أومال؟! عايزاني أوصله المطار مثلا؟!

=بردو لأ..

حك ذقنه بتفكير وقد بدا عليه الإنزعاج وقال بهدوء: طب ما تنجزي يا رقيه، إنجزي الله يباركلك عشان انا منمتش من إمبارح و شايف قدامي بالعافيه..

و صاح بها بنفاذ صبر: ماله خالـــك؟!

أطلقت لجام لسانها لتنطق تباعًا دون توقف: خالي مسافر كمان أسبوع، و ماما مصرّه إن خالي يحضر فرحنا لأن لو خالي سافر مش هينزل قبل سنتين.

رفع حاجبه بإستنكار مردفًا: و إنتي عايزاني أستني سنتين لحد لما خالك يرجع من السفــر!!!

_ما هو ده اللي بحكي فيه..

=أيوة مش فاهم بردو عايزة تقولي إيه.. خليكي direct..

تنهدت بضيق وهي تخبره ببساطه و تروّي لكي تستكشف ردّة فعله الناتجه عن ما ستلقيه عليه فقالت: اللي عايزه اقوله إن المفروض نعمل فرحنا قبل ما خالي يسافر.

ضحك ضحكةً مقتضبه ثم قال: أكيد بتهزري.. إنتي عايزة تفهميني إننا المفروض نعمل فرحنا كمان أسبوع!! لأ ده أقل من أسبوع كمان عشان خالك مسافر!! ده إستحاله.

إستولي عليها غضبًا شديد فقالت: إستحاله ليه بقا يا معتز؟! هو إنت عندك إستعداد نستني سنتين كمان مخطوبين؟!

_أكيد لأ. لكن بردو متجيش تقوليلي نتجوز كمان أسبوع!! ده جواز مش خطوبه! وبعدين انا إستحاله افكر أعمل فرحي قبل ما رياض يحل مشكلته مع آصال.

تجهم وجهها وهي تطالعه بغير تصديق وقالت: تاني هتربط مصيرنا بمصير رياض وآصال؟! طيب وإفرض مشكلتهم متحلتش!! او آصال رفضت ترجعله من الأساس ، هنفضل إحنا كمان مخطوبين لحد ما كل واحد منهم يحل مشكلته؟! انا مش مصدقاك بجد.

_ و ليه بتفرضي الأسوأ ؟! أنا واثق إن رياض ميقدرش يستغني عنها وهيفضل يحاول لحد ما تسامحه..

= رياض ميقدرش يستغني عنها لكن إنت تقدر تستغني عني يا معتز مش كده؟!

تسائلت وقد إلتمعت عيناها بالدموع ليقول حانقًا: هو إيه العبط ده يا رقيه معلش!! مين اللي قاللك إننا بنتحط في مقارنات مع أي حد غيرنا؟! رقيه ميبقاش عقلك صغير و سطحيه بالشكل ده!

أومأت بضيق ونهضت واقفه دون أن تعقب و إستدارت لتغادر ليستوقفها مناديًا عليها بصوتٍ جهور : رقيه إستني عندك.

توقفت ليتجه نحوها ثم توقف أمامها مباشرةً ووضع إصبعيه أسفل ذقنها ليرفع وجهها إليه و تعجب عندما رأي دمعاتها تتساقط على وجنتيها بهدوء فقال بضيق: ليه كده يا رقيه ؟! إنتي عارفه إني مبحبش أشوفك بتعيطي..

أمسك بوجهها بين يديه و نزحَ الدموع من أسفل عيناها بإبهاميه ثم قال بجديه: متعيطيش تاني عشان أنا قلبي بيوجعني لما بشوفك بتعيطي.

إرتمت بأحضانه وإنفجرت باكيه ليمسد ظهرها قائلًا: لا إذا كان كده عيطي براحتك.

لكزته بصدره بخفه وهي تحتضنه ليضحك بهدوء ثم قبّل رأسها وقال: متزعليش مني يا رقيه انا مش قصدي أضايقك والله..

و أبعدها عنه قليلًا ثم أمسك بوجهها بين يديه بتركيز وقال: رقيه لازم تفهميني.. إنتي حبيبتي و محبتش غيرك في حياتي ولازم تقدري اللي حاسس بيه.. انا مليش غير رياض قي الدنيا.. حرفيا مليش أي حد وإنتي عارفه كده كويس.. امي وأبويا ماتوا وأنا صغير ومليش إخوات ولا حتي صحاب.. إتعرفت علي رياض من الجامعه وفضلنا صحاب لحد اليوم ده.. هو بالنسبه لي عيلتي كلها.. مش بس أخويا. فهل من المنطق إني أفرح وأخويا مكسور ومهموم بالشكل ده!! إفهمي كلامي يا رقيه وإنتي هتقدري موقفي وتعرفي إني معايا حق.

إلتزمت الصمت ليمسد رأسها بحنو ثم قال: متقلقيش انا هفكر لها في حل وإن شاء الله هلاقي حل يناسب الأطراف كلها.

أومأت بموافقه ليقول: أهم حاجة متبقيش زعلانه مني.. صدقيني والله العظيم أنا نفسي نتجوز النهارده قبل بكره.. لكن أنا فرحتي مش هتكمل إلا لو شُفت رياض فرحان.

هزت رأسها بتأييد ليول وهو ينظر بوجهها بتفحص، يجول بعيناه حول جميع معالمها ويقول: خلاص مش زعلانه ؟

هزت رأسها بنفي ليقول مبتسمًا بسماجه: طيب روحي بقا إعمليلي فنجال قهوه.

_إستغلالـي!

=جدًا.

تصنعت الضيق و إتجهت نحو الباب تطرق الأرض بكعبها العالي بغنج ليصدح صوته من ورائها ممازحًا وهو يغازلها: يا أرض إحفظي ما عليكي.

……

كان رياض قد إنصرف إلي مكتبه علي التو بعد إن إستمع لحديث معتز عن دون قصد عندما كان متجهًا إلي مكتبه فقام بالإتصال بهاتف مكتبه..

_أيوة يا معتز، كنت عايز أتكلم معاك شويه.

=خير، في حاجه ولا إيه؟

_ إنت فاضي دلوقتي آجي نتكلم ؟

=أيوة فاضي..

وضع رياض سماعة الهاتف علي الفور متجهًا إلي مكتب معتز، فتح الباب دون إستئذان ودلف بهدوء ثم جلس علي المقعد المقابل لمعتز الذي تسائل: في إيه يا رياض ؟

_مفيش حاجه يا معتز مالك مخضوض كده ليه.. انا بس زهقان وقولت ندردش شويه.

=إنت كويس؟! تسائل بإهتمام فأجابه رياض مبتسمًا بإبتسامه باهته وقال: أنا كويس إنت أخبارك إيه؟

_أنا زي الفل.. المهم إنت..

ضحك رياض فعلت ضحكات معتز بدوره ليقول رياض متخذًا سبيل الجديه وقال: قوللي، ناوي تحدد ميعاد فرحك إمتا؟

أشاح معتز بلا إهتمام وقال: مش دلوقتي.. كمان شويه.

_كمان شويه إمتا يعني؟ وليه مش دلوقتي طالما إنتوا جاهزين ومفيش داعي للتأجيل؟

نظر إليه معتز مضيقًا عيناه بتركيز ثم قال: إنت سمعت كلامي مع رقيه مش كده؟

_حتي لو مكنتش سمعته يا معتز، يستحيل كنت هوافقك علي العبط اللي في دماغك ده؟! يعني إيه تأجل فرحكوا لحد ما احل مشكلتي مع آصال؟! إفرض إتحلت بعد سنه، إتنين، متحلتش خاالص!! هتفضلوا مرهونين جمبنا مثلا!! رقيه معاها حق وإنت غلطان وتفكيرك معاق جداا.

=ريـاض إفهمني…

_إفهمني إنت يا معتز، لا إنت ولا رقيه ليكوا ذنب تأجلوا فرحكوا اللي بتستنوه من زمان عشاني أنا وآصال.. ده لا يرضيني ولا يرضي آصال ولا يرضي حد.. حماتك معاها حق.. لازم أخوها يحضر الفرح ويكون في مكانة أبو رقيه الله يرحمه.. ومينفعش تأجلوا الفرح كل المده دي علي ما ينزل مصر تاني.. مش معقوله يعني هتفضل ا مخطوبين سنتين بحالهم!!

تنهد معتز بحيره ليقول رياض: لازم تحدد فرحك يا معتز ومتفكرش في أي حاجه ولا في أي حد تاني دلوقتي.. فكر في نفسك وفي رقيه بس.. و الباقي على ربنا.

_بس أنا مش هقدر أفرح وإنت مضايق!

إبتسم رياض إبتسامةً عذبه وقال: ومين قال إني مضايق؟! أنا أسعد واحد في الدنيا لأنك هتكون فرحان!!

نهض معتز من مقعده ثم إستدار ليباغت رياض عندما إحتضنه ملتصقًا به كالغراء وهو يقبله من خده بقوه ويقول: مش عارف اقوللك إيه…

حاول رياض الخلاص من بين يديه وهو يقول ببساطه: متقولش حاجه..

_مش عـارف أقوللك إيه بجد..

إنفرج الباب بغتةّ وظهرت رقيه من خلفه وهي تحمل بيديها فنجالًا من القهوه وقد أدهشها إلتصاقهما العجيب ببعضهما البعض فراحت ترفرف بأهدابها بإستغراب بينما كانا الآخران يتطلعا نحوها بصمت ليدفع رياض معتز بعيدًا عنه وهو يتمتم بحنق: ابعد بقا يا أخي الله يكسفك..

نهض من مقعده وهو يهندم حاله ثم رمق معتز بإمتعاض و تقدم من الباب وألقي إلي رقيه التي لا تزال علي نفس حالتها المتيبسه فقال: إتفضلـي يا رقيه، أنا كنت خارج أصلا.

غادر المكتب بينما تقدمت رقيه من معتز كالبلهاء ثم وضعت أمامه فنجال قهوته ليقول : في إيه،مالك متنحه كده ليه؟

_ إيه اللي أنا شفته ده ؟!

= مش مهم اللي إنتي شفتيه، المهم إني هاجي أقابل مامتك وخالك النهارده عشان نحدد ميعاد الفرح.

جحظت عيناها بفرحه وعدم تصديق وقالت: بجد؟

أومأ بتوكيد مبتسمًا لتقول بحماس: يبقا كده لازم ألحق أشوف الفستان..

_وأنا هجهز البدله السيلڤـر!!!!!

……..

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه كان لازم يحصل كامله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى